الثلاثاء، 11 أكتوبر 2016

قصة قصيرة - أدب الكركند،،،

هنا في الصفحة المئة والأربعون تقول على لسان بطل روايتك زُويريب "ربما اضطر إلى بيع عضوي التناسلي يوماً ما" !

وهنا تقول على لسانه أيضاً حين أشعل سيجارة حشيش بجانب سائق التاكسي الذي أقله إلى بيت دعارة سري في وسط المدينة. 

"لا يستطيع جهاز الكذب أن يكشف ما إذا كانت الزوجات يخن أزواجهن ببساطة هو لا يقدر على تكذيب نفسه".

 وضعت الدكتورة هند الرواية بالقرب من طبق "الكركند المشوي" على الطريقة الفرنسية "لداك مورفي" شيف طبقة الأثرياء ذاع صيته في الستينيات ومطعمه الشهير "رووفي" الكائن في أحد جزر الأرخبيلات حيث تختال بروعتها طيور الطاؤوس البيضاء التي تم جلبها لغرض إبهاج السادية النقية من سقط المتاع في مكان تكون ساحة اظهار الخيلاء والترف فرصة نادرة لشيطان نفسه.

   أرادت أن تلقمه ألماً لا يستطيع احتماله، وفكرت حين رأت تلك الندبة الغائرة في جبينه أن النقد ما هو إلا عقوبة مخففة لإيلام أمثاله، بيد أنها لا تمتلك من خيار آخر أو وقت، عليها أن تعرف كيف كتب هذه الرواية الفاسقة؟ قبل أن تجد نفسها على سرير وثير من صنع خياله الجامح هذه الليلة، استبعدت فرضية الإثقال على كاهل الحياء والخجل، فالمجن الذي يعتري شخوص رواياته يضرب كالسوس في الجذور،  استنجدت بأنوثتها لترويضه، أظهرت القليل، وكان ما أظهرته كافياً فقد طلب منها أن تشاركه الطعام بل أنه قرب منها طبق صلطة الصويا طالباً منها أن تمزجه بقطعة من لحم الكركند وحين شعرت أن اهتمامه بدأ في التنامي.

 قالت:  مالذي ترمي إليه بهذه العبارة التي حشوتها في الصفحة 377 من روايتك المبشر هل هو بدافع الإستهتار بالألفاظ أو إغراء للقارئ أم شطحة من شطحاتك الأدبية لدغدغة أحاسيسنا وجرجرتنا لمواصلة قراءة الرواية التي خلت من عامل العقدة والحل وجمال السرد إلا ما ندر، كم يصعب إستنتاج فائدة من هذا الهراء، وتلك الأوضاع المخلة للنساء والرجال في الرواية تتحدث عن جوع أعضائهم التناسلية طوال الوقت بلا مبرر، وفي كل زاوية من أوراق الرواية هناك سطران تركتهما كسريرين في انتظار "زويريب" وقنينة الفودكا الممتلئة إلى حد الكفاية التي تصاحبه أين ما حل به المساء، وأضافت لا يوجد رجل يستحق هذا السرد "الدعرنجي" الهادم لكبريائه وحين تملكه الإنتباه لما تقول ورفع رأسه مسلطاً نظراته إليها أبت إلا أن تذيقه المرارة " مقرف"! طأطأ رأسه على مائدة الطعام وكأن كرامته في منأى عن ما أشارت إليه أو لعلها تعودت إلا تقحم نفسها في أمر لا يخصها.

كان قد أقتلع رأس الكركند المشوي وأمتص أحشائه ثم ما لبث أن أبتلع ما أمتصه على مضض وأتبعها بملعقتين من حساء الربيان المخلوط ببثور الثوم الجاف بعد أن غمس رأس الملعقة في سلطة الصويا بجانبه وكان يفعل ذلك ببطء مع كل لقمة يتناولها على تلك المائدة باهظة الثمن.

قال : وما هو المقزز في الأمر لو قرأتي الرواية إلى نهايتها لما احتجتي لتبني هذا السؤال، وأردف كانت حبيبته غاضبة بسبب الغيرة كما أنها صوبت مسدسها بعيداً عن قلبه وأشار بكلتا عينيه إلى الصحن الرئيسي الذي يتوسط المائدة أمامه كإشارة لها لتتبع إيماءته السافرة تلك وحين فعلت أضاف كان غرورها سبباً كافياً لموتها من وجهة نظره، وكان مغرماً بها إلى حد الجنون، ولم يجد حرجاً في إيلامها قبل أن تنال منه .  

قالت : جميل...!  لو افترضنا أن تبريرك به شيء من المنطق ويتناسب مع مجريات الأحداث، ما هو تبريرك هنا في الصفحة التالية بالتحديد تقول على لسانه أنه أقسم أن لا يعود إلى المكان الذي قتلها فيه، لكن الشرطة قبضت عليه في نفس المكان كيف عاد ؟وكان قد أقسم أن لا يعود!.

قال: أخبرتك..!، يجب أن تكملي قراءة الرواية إلى نهايتها لا أن تختزلي منها ما يجعلني ضحية لانتقادك، وتابع لقد أعترف "زويريب" أنه عاد للبحث عن المال الذي جمعته غانيته من بيع جسدها، وذكرت في صفحة تليها أن الكاذب يصدق أكاذيبه حين لا يبقي شيء يخسره في المقابل.

قالت: وأنت هل تصدق ما كتبته هنا أم لم يعد لديك ما تخسره؟

قال: في الواقع لست معنياً "بزويريب" أو بشخوصي في الرواية أنا شبه متأكد مما أقول.

قالت:  شبه متأكد..! ذهنياً أنت من قام بكتابة الرواية وأتيت بزويريب من العدم وقدمته بهذه الصفة والآن تريد أن تتنصل من أفعاله هكذا بسهولة، كيف؟

قال: البدايات دائماً صعبة، صدقيني! كنت قد قدمت الرواية لدار نشر متحفظة بسبب خوفها من فشل الرواية لذلك طلبوا مني مبلغ من المال تغطي تكلفة الطباعة والتصحيح وكذلك النشر وحين وافقت على طلباتهم قدموا لي نسخة سيئة لا تلائم الجهد الذي بذلته في كتابتها حتى غلاف الرواية كان تجسيداً للمهانة ليس فقط للعاهرات فقد وضعوا رأس حمار على جسد امرأة غض، وهذا ما أغضبني، ولن أغوص في فسيولوجية النمط الذي يرتاب بعض الحمقى حين تملي عليهم حماقتهم المساس بما يجهلونه، ناهيك عن الأخطاء الإملائية المتكررة بل أن الأمر وصل إلى حد أنني وجدت أوراق مقلوبة رأساً على عقب، وأخري بها أخطاء في التسلسل الرقمي حينها قررت أن أتلف الرواية، وقلت لنفسي "بالطبع لن ترد لي دار النشر أموالي التي سبق أن دفعتها لهم"، عزمت حينها أن اشطب أجزاء من الرواية وأن أضيف إليها شيء يجعل دور النشر تتهافت على ما أكتبه من روايات، ولا أخفيك لقد ربحت حين أدركت أن الخسارة جزء من فن كتابة الرواية.
قالت: روائي شهير مثلك يضطر لنشر روايته على حسابه هل هذه مزحة سخيفة؟

قال: دعيك من هذا الهراء الذي تكتبونه في الصحف، الواقع مرير وهناك صعوبات لا تفهمونها أنتم زمرة النقاد المتبجحون أنكم تدفعون فواتيركم من أعمالنا تسرقون جهدنا ولديكم من يهتم بطباعة كتبكم ونشرها مجاناً حتى أنها أصبحت ظاهرة لا ينكرها أحد وباتت تغص بها تلك الندوات الأدبية والتجمعات الثقافية عظيمة التمويل المخصص والدعاية، وبالطبع فنادق الخمس نجوم مسبقة الدفع وكلانا يعرف أن الغرض من تلك التجمعات لا علاقة له بالأدب والثقافة.

قالت:  إذاً هذا هو تبريرك لكتابة هذا النوع من الروايات، وعلى سبيل دفعه للإحباط ورغبتها في التهكم لا أكثر استشهدت بقولها " الروائي الجيد هو من يختبئ من الإعلام"؟ وأضافت أسمح لي أن أقول أن رواياتك جنسية بكل المقاييس الهابطة التي تخل بالتوازن الإجتماعي المحافظ ولا يتشرف أي ناقد يحترم عمله أن يقدمها ولو بنصف ورقة في أي منتدي فما بالك بالندوات الثقافية الراقية، أنت معذور في هذا فأنت لا تري نفسك حين تجلس هناك، حتى أنني أتحاشي النظر إليك من منصة التحكيم، وصدقني لطالما أشفقت عليك .

-        هنا نعتها بكلمة بذيئة ... ع ا ه ر ة .

-        ورغم محاولتها لم تفلح في كتمان غضبها وأضافت أنتم كاتبوا الروايات الجنسية تفكرون بطريقة تجعل من حياتكم مقززة! أدمغتكم تعمل بطريقة عجائبية حين يتعلق الأمر بالكركند، إلا تري أن القرود أهملت مهارتها العقلية على حساب مهارتها في القفز والتسلق و !؟ كادت أن تنطق الكلمة لكن حشمتها أجبرتها على تجنب لفظ المفردة، تعرف مالذي أعنيه! فقد اعتصرت هذا الحيوان البحري لآخر قطرة فقط لأنك تعرف مردود الطاقة التي سينفثها في عظامك، لكن قبل أن تسرف في إطعام رغباتك أنصحك بالتريث فقد أرحل في أي وقت ولولا هذه الرواية لما كنت لبيت دعوتك للعشاء الليلة.

قال : لست مستغرباً من تصرفاتك فقد تعودت منك هذه القسوة.

قالت: نعم هكذا...! وجميل أنك تعودت على الأمر، وهذه العبارة بالتحديد هي السبب وراء قبولي لتناول الطعام مع كاتب مبتذل رخيص، وحين شعرت إنها اوجعته أمسكت بطرف الكركند وحركته على الطاولة واتبعتها لا بد أنه ذكر أحمق وقع في شباك الصيد يا لها من كائنات غبية يسهل الإمساك بها اضطجعت في حميمية وأزاحت عن ما يثقل كاهلها وختمت كلامها بقولها: وها هو الآن في طبق... لقد نال ما يستحق!.

قال: أو نالت ما تستحق..! هناك احتمالية شبه مؤكدة أن تكون أنثي، أراهن أن الصياد قد جني ثروة نضير ذيلها المكتنز، وربما أمسك بها حين خرجت من الأعماق لتضع بيضها في مكان دافئ كعادتها في هذه السنة من شباط، ولابد أنها سبحت لأكثر من عشرون متراً لتصل إلى هناك، وعند بزوغ الصباح امتصت بجسدها أشعة الشمس المشرقة وزادت هرموناتها من توهجها، وحين أبصرها الصياد بحالها تلك لا سبيل لها بالهرب على ما أظن، أما الذكور منها فهم عادة لا يفعلون شيء في شباط سوى التسكع وانتظار من حالفها الحظ، لسنا أقل مهارة لنخسر كل شيء.

-        ردت عليه بشراسة " ع ق ي م ".

قال: هل يحق لي أن أتساءل كيف طورت أناث بعض الكائنات طريقتها من الولادة إلى وضع البيض، هل هو بدافع من أنانية الذكور وتسلطها؟ أم رغبة أنثوية خالصة؟  وقبل أن تشيح عنه بحنق فاجأها هل ترغبين أن تطوري طريقتك في الولادة بطريقة مماثلة أقل جهداً واختصاراً للوقت؟ لربما كنت متزوجة الآن ولديك عشرة أبناء وتجدين الوقت لممارسة جميع اهتماماتك بالطاقة نفسها كما لو كنتي عزباء، عصرية، ومتحضرة.

قالت: لن أجلس دقيقة واحدة مع رجل لا يفي بوعده لقد وعدتني أنك لن تسألني، دورك أن تجيب على كل اسئلتي والآن تريدنا أن نتبادل الأدوار.!  

-        ترحلين ! هل هذه مزحة؟ إني أتحداك أن ترحلي!، وقفت من مكانها واستدارت ذاهبة وحين أخذ يتوسل إليها أن تعود رجعت وجلست أمامه وكانت غاضبة.

قالت: أحذرك..! أن امتصاص هذا الكائن لن يجدي نفعاً!

قال: علي أن أكون ممتناً لعودتك من جديد، لكن دعيني أوضح الأمر بطريقة تجعل من قبولك لدعوتي هذا المساء جميلاً بقدر ما تخفيه ابتسامتك.

قالت: تعرف حساسيتي تجاه الإجابات الحمقاء التي تظهرني بمظهر المستبدة استدركت أو الضعيفة على حد سواء.

قال: أعرف عن استبدادك الكثير كناقدة أدبية تحمل شهادة الدكتوراه في الأدب المعاصر من جامعة غير معترف بها، لكن حسب معرفتي بك هذه الادعاءات  لا تجد سبيلاً إلى مشاعرك ولا تولد لديك أحساس بالنقص حين يعطي لك الميكرفون في ندوة من ندوات الأدب، سرعان ما تأسرين أذان المستمعين بصوتك العذب ولباقتك المعتادة،  بماذا تشعرين عندما يحتد النقاش وتطلي علينا بوجهك الساحر ولمسة الحزن والفرح تلك التي لا يوجد لها مثيل في هذا العالم وهي بالتأكيد ليست شيئاً عابراً تتركينه على مائدة طعامك قبل أن يكون قد لاحظها رجل مهذب وثري ينتظر نصف فرصة ليقترب كما تفعل الفراشات من النور بلا تطفل.

قالت: هراء

  قال: ماذا تظنين حين ترفعين من قدر رواية وتنزلين برواية أخرى سابع أرض؟، ثم ما هو نوع الروايات التي تعجبك؟ فلم اسمع منك اعجابك الشخصي برواية واحدة طوال فترة معرفتي بك ربما عشرون عاماً ثلاثون! لم أعد أتذكر، وسبق أن أخبرتك أن الرواية هي حالة فريدة، باب مفتوح على الحرية المطلقة وستبقي كذلك.

قالت: متي ستكف عن هذا الهراء؟

قال: يحق لك.. أن تتربعي على قائمة النقاد الأكثر عداء للروائيين الشباب، ينبغي أن يدفعوا لك أكثر من 10,000 الآف ريال عن كل رواية تنتقديها، لكن هناك شيء لا أعرفه؟ كيف بإمكانك الملائمة بين حضور الندوات النقدية والكتابة في عمود جريدة يومية بجانب برنامج التهريج الأدبي الذي تبثه تلك القناة الهابطة؟.


-            لو كان ما قلته صحيح لكنت استثنيتك من قائمة الروائيين الشباب! وفيما يخص الأنشطة التي ذكرت سأجيب عليك ببساطة أُحب عملي لذلك يسهل الملائمة بين ما أقوم به، إنها ضريبة الشهرة.

-         الا تحظين بمائدة طعام كهذه في منزلك، أراهن أن فوقها مزهرية قرمزية باهظة الثمن محشوة بزهور بلاستيكية تلائمك وأتبعها بزفرة غضب خافتة "عاهرة".

-        كل هذا الغضب لأنني وصفت روايتك بالوضيعة هل كنت ستقبل لو أني كذبت عليك ومع ذلك أعترف لك أن نصوصك الأدبية شاعرية وسلسلة وبنائها التركيبي بها ما يشد أنتباه القراء لكنك بحاجة إلى أن تتعلم فن آخر أن تخرج من أجواء الرواية لبعض الوقت عليك أن تتريث حتى تجد مادة ذات قيمة أدبية لا يكون الجنس فيها هو المحرك الأساس لكل ما تكتبه ثم ما هو مفهوم الجنس في نظرك؟

-        الجنس هو تقليص المسافة بين جسدين إلى درجة تلامسهما قبل أن تجذبهما يد الطبيعة بعيداً ليعود كل في مداره كما تفعله الذرات ببروتوناتها ونيوتروناتها الحبيسان بدورانهما حول نواتها وهي لا تسمح لهما بالاقتراب من بعضهما في العادة، وهكذا تتمتع بصفتها مسيطرة على دورانهما وحين يحصل و يلتقيان ينشأ عن لقائما ما لا يستطيع أحد تفسيره "شيء جديد"، وربما تفقد النواة مركز الوسط الذي انتزعته بالأقدمية وربما وهي تجلس متوسطة لمكانها الآن تهز رأسها باستهتار بعد أن تنعتهم بالأغبياء لسهرهم على ابقائها في مكانها المعتاد كما هو هذا الكركند.

-        أخبرني بصدق لماذا أنت مهوس بالنساء؟ لماذا تصورهم بهذه الطريقة المبتذلة في كتابتك وتظهرهم على شكل شهواني لإمتاع الرجال؟

-        ربما الموضوع له علاقة بالتطور! على أني ألقي باللوم على تلك الشريحة في عقل الذكر ذاتية التقذية وهي ترصد كل الانفعالات التي تمارسها النواة من حوله والعجيب أنها ترسل صوراً مشفرة عن كل ما هو ممنوع فمثلاً العادة أن لا ترى ساق امرأة مكشوف أمامك بلا سبب، والعجيب أنك حين تراه تختزن هذه الصورة في تلك الشريحة التي يصعب التخلص منها ومما تحتويه هل لديك حل لهذه المعضلة كيف نتخلص من المؤثرات التي نرغبها حين تتملكنا الرغبة لاستحضار تلك المؤثرات؟.

-        انكمشت علي نفسها يبدو أنك مصاب بداء السعار عليك أن تبحث عن طبيب يعالجك من هذه الشقاء!

-   لقد فعلت صدقيني! لكن الموضوع لا يختص بشخص واحد، علينا أن نحب أجسادنا لأنها خلقت كذلك، وحين نثقف أنفسنا على حبها سنحترمها كما تفعل القبائل التي ننعتها بالمنسية تري لو أستمعنا إلى رأيها فينا بماذا سوف تنعتنا؟ هل سبق وفكرتي بهذه الطريقة العكسية تجاه الأخرين؟

-        هذا ليس محور حديثنا لا تمزج بين الواقع والخيال فلست أحدى بطلاتك في رواية تكتبها بأسلوبك الرخيص.

-        أنتِ من يريد أن يبحث داخل ما نجهل بوجوده في ذواتنا وحين نخرجه لكم تلومونا على صدقنا، هل تريدن مني أن أصطنع لك إجابة مرضية ومبتذلة؟ إذاً إليك هذه الإجابة، نحن لا ننظر إلى الجزء الفارغ من الكوب بقدر ما نري الجزء الممتلئ، والمرأة هي النصف الآخر في كل مجتمع وبها تكتمل حياتنا لكن هذا النصف الآخر لا يريدنا أن نحتفظ بصورة له في ذاكرتنا حتى لا نطمع في سلب مآثره الأخرى ، ثم مالذي يخيف في الجنس لنجعل أمر التحدث عنه صعباَ لدرجة الصمت عن أخطائه، فضائله، ومميزاته، وأسبابه، وشروطه ومقوماته، الجنس هو كل شيء حين يتعلق الأمر بالحب والنضوج، وهو لا شيء حين يتعلق الأمر بالجهل والنقمة.

-        لا تبدأ...! أرجوك تعرف أن بدني يقشعر لهذا الكلام السخيف.

قال: صبى غضبك أذاً على أنثي بقر الوحش التي تصدر رائحتها النافذة في موسم التزاوج كي تجذب عادة أكثر من ذكر، وفي هذه الحالة تبدأ التصفيات، وتنطلق المعارك، ومن ينتصر على كل الذكور الراغبة في معاشرتها، هو من يفوز..!، هل تريدني أن أصيغ "بقلبها أو بها" في هذه الحالة..! ما هي الكلمة التي تستحق أن أشيد بها عند وصف حالة كهذه في كتابتي لرواية ما.

قالت : لا أدري ولست مهتمة بالأمر.

قال: أنت إذاً من ذلك النوع الذي لا يهمه كيف يحصل الأمر؟

-         لم أعني ذلك!.

-        هيا بربك أجيبى..! "بقلبها أو بها" الأمر بسيط ولا يحتاج إلى كل هذا التردد؟.

-        قلت لك لا أعرف أيها الوضيع ولا يهمني صدقتني أم لم تصدقني.

قال: أسمحي لي إذاً أن أذكرك بنقيضها وهو ليس من باب التغيير وحسب، أنها أنثي غزال الأيل وهي بالمناسبة لها عينين ساحرتين بصفاء عينيك العسلتين وحين ترغب في التزاوج في كل سنة مع بداية الخريف تجفل من الغرباء في أقليم التندرا الشمالي وتهيم بين أشجار الصفصاف الندية وحشائش الترميريا الشفافة عندها تختار غذائها بعناية وتلتهم نباتات بعينها لتصنع عطرها الخاص وحين يتم لها ذلك تترك رائحة عطرها على الأشجار الممتدة على السهول وهي على يقين أن أيلاً واحداً فقط هو من ستجذبه رائحة جيناتها المثيرة لشهيته بشكل خاص، سيترك خلفه كل شيء ويلحق بمصدر العطر الذي أقتحم خصوصيته على أمل اللقاء بها وقد يطول الامر شهر شهرين ربما العمر كله لو صادف والتقي بصياد لا يعير مشاعره الاهتمام الكافي قبل لقائه بها والفوز بقلبها بالتأكيد فقد أحبها قبل أن يراها.

-         وأنت ماذا تفضل مما ذكرت؟ ولو إني أستطيع المراهنة على اختيارك!
-        صرخ في ذهول من قوة الفرحة..... حقاً.

لم يعد هناك سبب من وجهة نظرها لإتمام هذه المحادثة قامت من مقعدها وانصرفت، توقفت قبل أن تصل إلى باب الخروج عادت على نحو مفاجئ سحبت الرواية من فوق المائدة وقالت وهي تتبختر ذاهبة في طريقها "سأحتفظ بها عقاباً لك" وانصرفت مرة أخري.

-        ساقطة..! ساقطة..!

كان أحد زبائن المطعم قد نفذ صبره من هذه التصرفات وأتت هذه الصرخات في النهاية وأطلقت العنان لغضبه الذي حبسه وزوجته طوال فترة تناولهما طعام العشاء، أبرز أصبع السبابة في قبضته وأشار به في وجه صاحب هذه الصرخات النشاز، وحين تلقي التجاهل نظير ما فعل، طلب من الجرسون الحضور فوراً.

الجرسون : نعم يا سيدي.

الزبون: من هذا المجنون الذي يجلس على تلك المائدة؟ وأشار بيده!

الجرسون : هل يعقل أنك لم تعرفه؟ أنه الروائي الكبير..! قاطعه تباً له.

الجرسون: لماذا أنت غاضب منه مالذي فعله؟

الزبون : ألم تسمع صراخه وهو يحدث نفسه طوال الوقت؟ كيف تستقبلون أمثال هؤلاء في مطعم كهذا؟،وبحنق ...أنظر لقد أشعل سيجارة! لا بد أن تقوم بطرده فوراً.

الجرسون : الجرسون : تجاهله أرجوك! بعد أن فقد زوجته ومات أبنه أثناء ولادتها أصبح يتصرف بغرابة...أنه يأتي مرة واحدة في العام من شباط وأنا متأكد أنه سيرحل بعد قليل.

الزبون : أطرده الآن وسأضاعف لك البقشيش!.

الجرسون: لا أستطيع يا سيدي..! لا تكترث للأمر فقط أمهله بعض الوقت وسيرحل.

الزبون في غضب : قلت أطرده أو سأطرده بنفسي.  

وحين عزم على القيام أخبره الجرسون بما جعله يشتاط غضباً "لا تستطيع طرده يا سيدي"!

-        لماذا؟
-        أنه صاحب المطعم.
إنتهت،،،،

سلطان خويطر
روائي سعودي- المدينة المنورة
صدر له رواية ( عمارة الجمل) – من دار العصر الجديد-القاهرة، إنشاء الله تجدونها في معرض جدة الدولي للكتاب.
للتواصل مع الكاتب.
ايميل: kahlid03@yahoo.com
تويتر: @suloon_1
أو زوروا مدونتي- سلطان خويطر
تحياتي،،،