الثلاثاء، 11 أكتوبر 2016

قصة قصيرة - أدب الكركند،،،

هنا في الصفحة المئة والأربعون تقول على لسان بطل روايتك زُويريب "ربما اضطر إلى بيع عضوي التناسلي يوماً ما" !

وهنا تقول على لسانه أيضاً حين أشعل سيجارة حشيش بجانب سائق التاكسي الذي أقله إلى بيت دعارة سري في وسط المدينة. 

"لا يستطيع جهاز الكذب أن يكشف ما إذا كانت الزوجات يخن أزواجهن ببساطة هو لا يقدر على تكذيب نفسه".

 وضعت الدكتورة هند الرواية بالقرب من طبق "الكركند المشوي" على الطريقة الفرنسية "لداك مورفي" شيف طبقة الأثرياء ذاع صيته في الستينيات ومطعمه الشهير "رووفي" الكائن في أحد جزر الأرخبيلات حيث تختال بروعتها طيور الطاؤوس البيضاء التي تم جلبها لغرض إبهاج السادية النقية من سقط المتاع في مكان تكون ساحة اظهار الخيلاء والترف فرصة نادرة لشيطان نفسه.

   أرادت أن تلقمه ألماً لا يستطيع احتماله، وفكرت حين رأت تلك الندبة الغائرة في جبينه أن النقد ما هو إلا عقوبة مخففة لإيلام أمثاله، بيد أنها لا تمتلك من خيار آخر أو وقت، عليها أن تعرف كيف كتب هذه الرواية الفاسقة؟ قبل أن تجد نفسها على سرير وثير من صنع خياله الجامح هذه الليلة، استبعدت فرضية الإثقال على كاهل الحياء والخجل، فالمجن الذي يعتري شخوص رواياته يضرب كالسوس في الجذور،  استنجدت بأنوثتها لترويضه، أظهرت القليل، وكان ما أظهرته كافياً فقد طلب منها أن تشاركه الطعام بل أنه قرب منها طبق صلطة الصويا طالباً منها أن تمزجه بقطعة من لحم الكركند وحين شعرت أن اهتمامه بدأ في التنامي.

 قالت:  مالذي ترمي إليه بهذه العبارة التي حشوتها في الصفحة 377 من روايتك المبشر هل هو بدافع الإستهتار بالألفاظ أو إغراء للقارئ أم شطحة من شطحاتك الأدبية لدغدغة أحاسيسنا وجرجرتنا لمواصلة قراءة الرواية التي خلت من عامل العقدة والحل وجمال السرد إلا ما ندر، كم يصعب إستنتاج فائدة من هذا الهراء، وتلك الأوضاع المخلة للنساء والرجال في الرواية تتحدث عن جوع أعضائهم التناسلية طوال الوقت بلا مبرر، وفي كل زاوية من أوراق الرواية هناك سطران تركتهما كسريرين في انتظار "زويريب" وقنينة الفودكا الممتلئة إلى حد الكفاية التي تصاحبه أين ما حل به المساء، وأضافت لا يوجد رجل يستحق هذا السرد "الدعرنجي" الهادم لكبريائه وحين تملكه الإنتباه لما تقول ورفع رأسه مسلطاً نظراته إليها أبت إلا أن تذيقه المرارة " مقرف"! طأطأ رأسه على مائدة الطعام وكأن كرامته في منأى عن ما أشارت إليه أو لعلها تعودت إلا تقحم نفسها في أمر لا يخصها.

كان قد أقتلع رأس الكركند المشوي وأمتص أحشائه ثم ما لبث أن أبتلع ما أمتصه على مضض وأتبعها بملعقتين من حساء الربيان المخلوط ببثور الثوم الجاف بعد أن غمس رأس الملعقة في سلطة الصويا بجانبه وكان يفعل ذلك ببطء مع كل لقمة يتناولها على تلك المائدة باهظة الثمن.

قال : وما هو المقزز في الأمر لو قرأتي الرواية إلى نهايتها لما احتجتي لتبني هذا السؤال، وأردف كانت حبيبته غاضبة بسبب الغيرة كما أنها صوبت مسدسها بعيداً عن قلبه وأشار بكلتا عينيه إلى الصحن الرئيسي الذي يتوسط المائدة أمامه كإشارة لها لتتبع إيماءته السافرة تلك وحين فعلت أضاف كان غرورها سبباً كافياً لموتها من وجهة نظره، وكان مغرماً بها إلى حد الجنون، ولم يجد حرجاً في إيلامها قبل أن تنال منه .  

قالت : جميل...!  لو افترضنا أن تبريرك به شيء من المنطق ويتناسب مع مجريات الأحداث، ما هو تبريرك هنا في الصفحة التالية بالتحديد تقول على لسانه أنه أقسم أن لا يعود إلى المكان الذي قتلها فيه، لكن الشرطة قبضت عليه في نفس المكان كيف عاد ؟وكان قد أقسم أن لا يعود!.

قال: أخبرتك..!، يجب أن تكملي قراءة الرواية إلى نهايتها لا أن تختزلي منها ما يجعلني ضحية لانتقادك، وتابع لقد أعترف "زويريب" أنه عاد للبحث عن المال الذي جمعته غانيته من بيع جسدها، وذكرت في صفحة تليها أن الكاذب يصدق أكاذيبه حين لا يبقي شيء يخسره في المقابل.

قالت: وأنت هل تصدق ما كتبته هنا أم لم يعد لديك ما تخسره؟

قال: في الواقع لست معنياً "بزويريب" أو بشخوصي في الرواية أنا شبه متأكد مما أقول.

قالت:  شبه متأكد..! ذهنياً أنت من قام بكتابة الرواية وأتيت بزويريب من العدم وقدمته بهذه الصفة والآن تريد أن تتنصل من أفعاله هكذا بسهولة، كيف؟

قال: البدايات دائماً صعبة، صدقيني! كنت قد قدمت الرواية لدار نشر متحفظة بسبب خوفها من فشل الرواية لذلك طلبوا مني مبلغ من المال تغطي تكلفة الطباعة والتصحيح وكذلك النشر وحين وافقت على طلباتهم قدموا لي نسخة سيئة لا تلائم الجهد الذي بذلته في كتابتها حتى غلاف الرواية كان تجسيداً للمهانة ليس فقط للعاهرات فقد وضعوا رأس حمار على جسد امرأة غض، وهذا ما أغضبني، ولن أغوص في فسيولوجية النمط الذي يرتاب بعض الحمقى حين تملي عليهم حماقتهم المساس بما يجهلونه، ناهيك عن الأخطاء الإملائية المتكررة بل أن الأمر وصل إلى حد أنني وجدت أوراق مقلوبة رأساً على عقب، وأخري بها أخطاء في التسلسل الرقمي حينها قررت أن أتلف الرواية، وقلت لنفسي "بالطبع لن ترد لي دار النشر أموالي التي سبق أن دفعتها لهم"، عزمت حينها أن اشطب أجزاء من الرواية وأن أضيف إليها شيء يجعل دور النشر تتهافت على ما أكتبه من روايات، ولا أخفيك لقد ربحت حين أدركت أن الخسارة جزء من فن كتابة الرواية.
قالت: روائي شهير مثلك يضطر لنشر روايته على حسابه هل هذه مزحة سخيفة؟

قال: دعيك من هذا الهراء الذي تكتبونه في الصحف، الواقع مرير وهناك صعوبات لا تفهمونها أنتم زمرة النقاد المتبجحون أنكم تدفعون فواتيركم من أعمالنا تسرقون جهدنا ولديكم من يهتم بطباعة كتبكم ونشرها مجاناً حتى أنها أصبحت ظاهرة لا ينكرها أحد وباتت تغص بها تلك الندوات الأدبية والتجمعات الثقافية عظيمة التمويل المخصص والدعاية، وبالطبع فنادق الخمس نجوم مسبقة الدفع وكلانا يعرف أن الغرض من تلك التجمعات لا علاقة له بالأدب والثقافة.

قالت:  إذاً هذا هو تبريرك لكتابة هذا النوع من الروايات، وعلى سبيل دفعه للإحباط ورغبتها في التهكم لا أكثر استشهدت بقولها " الروائي الجيد هو من يختبئ من الإعلام"؟ وأضافت أسمح لي أن أقول أن رواياتك جنسية بكل المقاييس الهابطة التي تخل بالتوازن الإجتماعي المحافظ ولا يتشرف أي ناقد يحترم عمله أن يقدمها ولو بنصف ورقة في أي منتدي فما بالك بالندوات الثقافية الراقية، أنت معذور في هذا فأنت لا تري نفسك حين تجلس هناك، حتى أنني أتحاشي النظر إليك من منصة التحكيم، وصدقني لطالما أشفقت عليك .

-        هنا نعتها بكلمة بذيئة ... ع ا ه ر ة .

-        ورغم محاولتها لم تفلح في كتمان غضبها وأضافت أنتم كاتبوا الروايات الجنسية تفكرون بطريقة تجعل من حياتكم مقززة! أدمغتكم تعمل بطريقة عجائبية حين يتعلق الأمر بالكركند، إلا تري أن القرود أهملت مهارتها العقلية على حساب مهارتها في القفز والتسلق و !؟ كادت أن تنطق الكلمة لكن حشمتها أجبرتها على تجنب لفظ المفردة، تعرف مالذي أعنيه! فقد اعتصرت هذا الحيوان البحري لآخر قطرة فقط لأنك تعرف مردود الطاقة التي سينفثها في عظامك، لكن قبل أن تسرف في إطعام رغباتك أنصحك بالتريث فقد أرحل في أي وقت ولولا هذه الرواية لما كنت لبيت دعوتك للعشاء الليلة.

قال : لست مستغرباً من تصرفاتك فقد تعودت منك هذه القسوة.

قالت: نعم هكذا...! وجميل أنك تعودت على الأمر، وهذه العبارة بالتحديد هي السبب وراء قبولي لتناول الطعام مع كاتب مبتذل رخيص، وحين شعرت إنها اوجعته أمسكت بطرف الكركند وحركته على الطاولة واتبعتها لا بد أنه ذكر أحمق وقع في شباك الصيد يا لها من كائنات غبية يسهل الإمساك بها اضطجعت في حميمية وأزاحت عن ما يثقل كاهلها وختمت كلامها بقولها: وها هو الآن في طبق... لقد نال ما يستحق!.

قال: أو نالت ما تستحق..! هناك احتمالية شبه مؤكدة أن تكون أنثي، أراهن أن الصياد قد جني ثروة نضير ذيلها المكتنز، وربما أمسك بها حين خرجت من الأعماق لتضع بيضها في مكان دافئ كعادتها في هذه السنة من شباط، ولابد أنها سبحت لأكثر من عشرون متراً لتصل إلى هناك، وعند بزوغ الصباح امتصت بجسدها أشعة الشمس المشرقة وزادت هرموناتها من توهجها، وحين أبصرها الصياد بحالها تلك لا سبيل لها بالهرب على ما أظن، أما الذكور منها فهم عادة لا يفعلون شيء في شباط سوى التسكع وانتظار من حالفها الحظ، لسنا أقل مهارة لنخسر كل شيء.

-        ردت عليه بشراسة " ع ق ي م ".

قال: هل يحق لي أن أتساءل كيف طورت أناث بعض الكائنات طريقتها من الولادة إلى وضع البيض، هل هو بدافع من أنانية الذكور وتسلطها؟ أم رغبة أنثوية خالصة؟  وقبل أن تشيح عنه بحنق فاجأها هل ترغبين أن تطوري طريقتك في الولادة بطريقة مماثلة أقل جهداً واختصاراً للوقت؟ لربما كنت متزوجة الآن ولديك عشرة أبناء وتجدين الوقت لممارسة جميع اهتماماتك بالطاقة نفسها كما لو كنتي عزباء، عصرية، ومتحضرة.

قالت: لن أجلس دقيقة واحدة مع رجل لا يفي بوعده لقد وعدتني أنك لن تسألني، دورك أن تجيب على كل اسئلتي والآن تريدنا أن نتبادل الأدوار.!  

-        ترحلين ! هل هذه مزحة؟ إني أتحداك أن ترحلي!، وقفت من مكانها واستدارت ذاهبة وحين أخذ يتوسل إليها أن تعود رجعت وجلست أمامه وكانت غاضبة.

قالت: أحذرك..! أن امتصاص هذا الكائن لن يجدي نفعاً!

قال: علي أن أكون ممتناً لعودتك من جديد، لكن دعيني أوضح الأمر بطريقة تجعل من قبولك لدعوتي هذا المساء جميلاً بقدر ما تخفيه ابتسامتك.

قالت: تعرف حساسيتي تجاه الإجابات الحمقاء التي تظهرني بمظهر المستبدة استدركت أو الضعيفة على حد سواء.

قال: أعرف عن استبدادك الكثير كناقدة أدبية تحمل شهادة الدكتوراه في الأدب المعاصر من جامعة غير معترف بها، لكن حسب معرفتي بك هذه الادعاءات  لا تجد سبيلاً إلى مشاعرك ولا تولد لديك أحساس بالنقص حين يعطي لك الميكرفون في ندوة من ندوات الأدب، سرعان ما تأسرين أذان المستمعين بصوتك العذب ولباقتك المعتادة،  بماذا تشعرين عندما يحتد النقاش وتطلي علينا بوجهك الساحر ولمسة الحزن والفرح تلك التي لا يوجد لها مثيل في هذا العالم وهي بالتأكيد ليست شيئاً عابراً تتركينه على مائدة طعامك قبل أن يكون قد لاحظها رجل مهذب وثري ينتظر نصف فرصة ليقترب كما تفعل الفراشات من النور بلا تطفل.

قالت: هراء

  قال: ماذا تظنين حين ترفعين من قدر رواية وتنزلين برواية أخرى سابع أرض؟، ثم ما هو نوع الروايات التي تعجبك؟ فلم اسمع منك اعجابك الشخصي برواية واحدة طوال فترة معرفتي بك ربما عشرون عاماً ثلاثون! لم أعد أتذكر، وسبق أن أخبرتك أن الرواية هي حالة فريدة، باب مفتوح على الحرية المطلقة وستبقي كذلك.

قالت: متي ستكف عن هذا الهراء؟

قال: يحق لك.. أن تتربعي على قائمة النقاد الأكثر عداء للروائيين الشباب، ينبغي أن يدفعوا لك أكثر من 10,000 الآف ريال عن كل رواية تنتقديها، لكن هناك شيء لا أعرفه؟ كيف بإمكانك الملائمة بين حضور الندوات النقدية والكتابة في عمود جريدة يومية بجانب برنامج التهريج الأدبي الذي تبثه تلك القناة الهابطة؟.


-            لو كان ما قلته صحيح لكنت استثنيتك من قائمة الروائيين الشباب! وفيما يخص الأنشطة التي ذكرت سأجيب عليك ببساطة أُحب عملي لذلك يسهل الملائمة بين ما أقوم به، إنها ضريبة الشهرة.

-         الا تحظين بمائدة طعام كهذه في منزلك، أراهن أن فوقها مزهرية قرمزية باهظة الثمن محشوة بزهور بلاستيكية تلائمك وأتبعها بزفرة غضب خافتة "عاهرة".

-        كل هذا الغضب لأنني وصفت روايتك بالوضيعة هل كنت ستقبل لو أني كذبت عليك ومع ذلك أعترف لك أن نصوصك الأدبية شاعرية وسلسلة وبنائها التركيبي بها ما يشد أنتباه القراء لكنك بحاجة إلى أن تتعلم فن آخر أن تخرج من أجواء الرواية لبعض الوقت عليك أن تتريث حتى تجد مادة ذات قيمة أدبية لا يكون الجنس فيها هو المحرك الأساس لكل ما تكتبه ثم ما هو مفهوم الجنس في نظرك؟

-        الجنس هو تقليص المسافة بين جسدين إلى درجة تلامسهما قبل أن تجذبهما يد الطبيعة بعيداً ليعود كل في مداره كما تفعله الذرات ببروتوناتها ونيوتروناتها الحبيسان بدورانهما حول نواتها وهي لا تسمح لهما بالاقتراب من بعضهما في العادة، وهكذا تتمتع بصفتها مسيطرة على دورانهما وحين يحصل و يلتقيان ينشأ عن لقائما ما لا يستطيع أحد تفسيره "شيء جديد"، وربما تفقد النواة مركز الوسط الذي انتزعته بالأقدمية وربما وهي تجلس متوسطة لمكانها الآن تهز رأسها باستهتار بعد أن تنعتهم بالأغبياء لسهرهم على ابقائها في مكانها المعتاد كما هو هذا الكركند.

-        أخبرني بصدق لماذا أنت مهوس بالنساء؟ لماذا تصورهم بهذه الطريقة المبتذلة في كتابتك وتظهرهم على شكل شهواني لإمتاع الرجال؟

-        ربما الموضوع له علاقة بالتطور! على أني ألقي باللوم على تلك الشريحة في عقل الذكر ذاتية التقذية وهي ترصد كل الانفعالات التي تمارسها النواة من حوله والعجيب أنها ترسل صوراً مشفرة عن كل ما هو ممنوع فمثلاً العادة أن لا ترى ساق امرأة مكشوف أمامك بلا سبب، والعجيب أنك حين تراه تختزن هذه الصورة في تلك الشريحة التي يصعب التخلص منها ومما تحتويه هل لديك حل لهذه المعضلة كيف نتخلص من المؤثرات التي نرغبها حين تتملكنا الرغبة لاستحضار تلك المؤثرات؟.

-        انكمشت علي نفسها يبدو أنك مصاب بداء السعار عليك أن تبحث عن طبيب يعالجك من هذه الشقاء!

-   لقد فعلت صدقيني! لكن الموضوع لا يختص بشخص واحد، علينا أن نحب أجسادنا لأنها خلقت كذلك، وحين نثقف أنفسنا على حبها سنحترمها كما تفعل القبائل التي ننعتها بالمنسية تري لو أستمعنا إلى رأيها فينا بماذا سوف تنعتنا؟ هل سبق وفكرتي بهذه الطريقة العكسية تجاه الأخرين؟

-        هذا ليس محور حديثنا لا تمزج بين الواقع والخيال فلست أحدى بطلاتك في رواية تكتبها بأسلوبك الرخيص.

-        أنتِ من يريد أن يبحث داخل ما نجهل بوجوده في ذواتنا وحين نخرجه لكم تلومونا على صدقنا، هل تريدن مني أن أصطنع لك إجابة مرضية ومبتذلة؟ إذاً إليك هذه الإجابة، نحن لا ننظر إلى الجزء الفارغ من الكوب بقدر ما نري الجزء الممتلئ، والمرأة هي النصف الآخر في كل مجتمع وبها تكتمل حياتنا لكن هذا النصف الآخر لا يريدنا أن نحتفظ بصورة له في ذاكرتنا حتى لا نطمع في سلب مآثره الأخرى ، ثم مالذي يخيف في الجنس لنجعل أمر التحدث عنه صعباَ لدرجة الصمت عن أخطائه، فضائله، ومميزاته، وأسبابه، وشروطه ومقوماته، الجنس هو كل شيء حين يتعلق الأمر بالحب والنضوج، وهو لا شيء حين يتعلق الأمر بالجهل والنقمة.

-        لا تبدأ...! أرجوك تعرف أن بدني يقشعر لهذا الكلام السخيف.

قال: صبى غضبك أذاً على أنثي بقر الوحش التي تصدر رائحتها النافذة في موسم التزاوج كي تجذب عادة أكثر من ذكر، وفي هذه الحالة تبدأ التصفيات، وتنطلق المعارك، ومن ينتصر على كل الذكور الراغبة في معاشرتها، هو من يفوز..!، هل تريدني أن أصيغ "بقلبها أو بها" في هذه الحالة..! ما هي الكلمة التي تستحق أن أشيد بها عند وصف حالة كهذه في كتابتي لرواية ما.

قالت : لا أدري ولست مهتمة بالأمر.

قال: أنت إذاً من ذلك النوع الذي لا يهمه كيف يحصل الأمر؟

-         لم أعني ذلك!.

-        هيا بربك أجيبى..! "بقلبها أو بها" الأمر بسيط ولا يحتاج إلى كل هذا التردد؟.

-        قلت لك لا أعرف أيها الوضيع ولا يهمني صدقتني أم لم تصدقني.

قال: أسمحي لي إذاً أن أذكرك بنقيضها وهو ليس من باب التغيير وحسب، أنها أنثي غزال الأيل وهي بالمناسبة لها عينين ساحرتين بصفاء عينيك العسلتين وحين ترغب في التزاوج في كل سنة مع بداية الخريف تجفل من الغرباء في أقليم التندرا الشمالي وتهيم بين أشجار الصفصاف الندية وحشائش الترميريا الشفافة عندها تختار غذائها بعناية وتلتهم نباتات بعينها لتصنع عطرها الخاص وحين يتم لها ذلك تترك رائحة عطرها على الأشجار الممتدة على السهول وهي على يقين أن أيلاً واحداً فقط هو من ستجذبه رائحة جيناتها المثيرة لشهيته بشكل خاص، سيترك خلفه كل شيء ويلحق بمصدر العطر الذي أقتحم خصوصيته على أمل اللقاء بها وقد يطول الامر شهر شهرين ربما العمر كله لو صادف والتقي بصياد لا يعير مشاعره الاهتمام الكافي قبل لقائه بها والفوز بقلبها بالتأكيد فقد أحبها قبل أن يراها.

-         وأنت ماذا تفضل مما ذكرت؟ ولو إني أستطيع المراهنة على اختيارك!
-        صرخ في ذهول من قوة الفرحة..... حقاً.

لم يعد هناك سبب من وجهة نظرها لإتمام هذه المحادثة قامت من مقعدها وانصرفت، توقفت قبل أن تصل إلى باب الخروج عادت على نحو مفاجئ سحبت الرواية من فوق المائدة وقالت وهي تتبختر ذاهبة في طريقها "سأحتفظ بها عقاباً لك" وانصرفت مرة أخري.

-        ساقطة..! ساقطة..!

كان أحد زبائن المطعم قد نفذ صبره من هذه التصرفات وأتت هذه الصرخات في النهاية وأطلقت العنان لغضبه الذي حبسه وزوجته طوال فترة تناولهما طعام العشاء، أبرز أصبع السبابة في قبضته وأشار به في وجه صاحب هذه الصرخات النشاز، وحين تلقي التجاهل نظير ما فعل، طلب من الجرسون الحضور فوراً.

الجرسون : نعم يا سيدي.

الزبون: من هذا المجنون الذي يجلس على تلك المائدة؟ وأشار بيده!

الجرسون : هل يعقل أنك لم تعرفه؟ أنه الروائي الكبير..! قاطعه تباً له.

الجرسون: لماذا أنت غاضب منه مالذي فعله؟

الزبون : ألم تسمع صراخه وهو يحدث نفسه طوال الوقت؟ كيف تستقبلون أمثال هؤلاء في مطعم كهذا؟،وبحنق ...أنظر لقد أشعل سيجارة! لا بد أن تقوم بطرده فوراً.

الجرسون : الجرسون : تجاهله أرجوك! بعد أن فقد زوجته ومات أبنه أثناء ولادتها أصبح يتصرف بغرابة...أنه يأتي مرة واحدة في العام من شباط وأنا متأكد أنه سيرحل بعد قليل.

الزبون : أطرده الآن وسأضاعف لك البقشيش!.

الجرسون: لا أستطيع يا سيدي..! لا تكترث للأمر فقط أمهله بعض الوقت وسيرحل.

الزبون في غضب : قلت أطرده أو سأطرده بنفسي.  

وحين عزم على القيام أخبره الجرسون بما جعله يشتاط غضباً "لا تستطيع طرده يا سيدي"!

-        لماذا؟
-        أنه صاحب المطعم.
إنتهت،،،،

سلطان خويطر
روائي سعودي- المدينة المنورة
صدر له رواية ( عمارة الجمل) – من دار العصر الجديد-القاهرة، إنشاء الله تجدونها في معرض جدة الدولي للكتاب.
للتواصل مع الكاتب.
ايميل: kahlid03@yahoo.com
تويتر: @suloon_1
أو زوروا مدونتي- سلطان خويطر
تحياتي،،،




الأربعاء، 8 أبريل 2015

الجنغونونييا


إهداء : إلى كل القطط الحزينة في هذا العالم.

صحيت باكراً هذا الصباح وفكري معلق بقطة عمياء كنت قد رأيتها يوم أمس في مقر عملي تتضور جوعاً، سمعت بعدها صوت خفي في داخلي يأمرني أن أحضر لها الطعام، علبة سردين تكفي لسد حاجتها ليوم واحد، لا أدري أن كان الحب في حياة الإنسان قدر أم صنيعة كل ما أردته إطعام القطة وقد فعلت.

الجنغونونييا،،،،

مقدمة :

يعتبر نشر رواية من هذا النوع مثيراً لمن لا يكترث سوى بالصورة الجميلة المسطحة ذات البرواز المذهب وربما تتسبب في إعراض بعض محبى الصورة النمطية التخيلية عنها كونها تحمل الكثير من العبارات والأحداث النشاز التي تخدش الحياء العام وتثير التوجس وربما الإشمئزاز والقلق وهذا لا يعني لي الكتابة بحرية مطلقة خارج إطار الرواية وأرجوا أن لا يعتبر ما ذكرت مبرر للحيز عن مصداقية الطرح،  على الأقل بالنسبة لي ولكم قططي الأعزاء.

الجزء الأول:

يحتاج الإنسان إلى أربعين سنة ليدرك  قيمة الحياة كما يحتاج الماء إلى مئة درجة من الحرارة لبلوغ مرحلة الغليان وتحتاج الفواكه إلى فصل كامل لبلوغ ذروة النضج لكل شيء في العالم دورة استثنائية تبدأ من لا شيء حتى بلوغ الذروة ثم تعود أدراجها وتتلاشي وفي حالتي حيث كان الفقر يسخر من ضخ أكثر من 300 الف برميل من النفط  يومياً بسبب العولمة التي وجدت في الحوسبة ثقب أسود هائل يبتلع كل ما هو خام، كان الوضع يحتاج بكل ما فيه إلى إستدعاء الجنغونونييا ما هي الجنغونونييا؟ وكيف نشأت؟ وكيف يتم إستدعائها؟ إليك بوادر الطريقة السحرية لتحضير روح الجنغونونييا وتعرف بنفسك عليها لتتمكن من الإجابة على كل سؤال يحير فكرك أو يتعب سريرتك لكن قبل أن تبدأ بإنتقاد من حولك تذكر كل منا يجد العذر للكلب الذي أحب.
 كنت قد أفلست تمام الإفلاس ربما يعود الحال كوني روائي مبتذل فاشل ولوطي منبوذ إنقاد خلف الرذيلة وغرق في مؤخرة الحياة، طردت من عملي للأسباب ذاتها التي توظفت من أجلها... النظام، كان النظام يسمح بتوظيفي في وقت ما وسمح بالإستغناء عن خدماتي وطردي في وقت آخر ما أصعب أن يفكر السعودي بالهجرة والنجاح في بلد آخر يكاد يكون الأمر غير منطقياً من الناحية المهنية والإقتصادية فالسعودي بطبيعته غارق حتى النخاع في حب بلده ومعتز بثقافته ولا يملك سوى خيار تحقيق النجاح في بلده أو الموت فاشلاً بين ذراعيه هذا من الناحية المهنية أما من الناحية الإقتصادية فيتكفل بها لسان الدعاية القائل أن كان لديك رأس مال تعال إلى السعودية للإستثمار، وإذا لم يكن لديك رأس المال أذهب إلى السعودية للعمل، مع أعلان شبه مبطن يحذرك أن تولد فقيراً في السعودية بدون رأس و مال فأنت حتماً ستواجه مصاعب تفوق توقعاتك.

 وبسكب هذا التداعي مقارنة على جارحين كالصقر والبومة حيث لا يستطيع الصقر الصيد في الليل تظل البومة حبيسة الجوع أثناء النهار ولكون الخيار الأول لم يتحقق وجدت في الخيار الثاني مقبرة لأحلامي الفاشلة، إنغمست حتى الضياع وعشت مستجدياً بلا كرامة أو خلق أو عاطفة كنت قد استوفيت مدخراتي في إشباع لذة الهروب المخلوقة من دخان الحشيش الذي يحلق في مسرح الجنغونونييا وهو ليس بمسرح هزلي لبعث التشفي من أناس أو نظام بعينه فالطريقة الناجعة للتغلب على النظام تكمن في إتباع تعاليمه وتطبيق مفاهيمه أما النجاح الباهر عليه فيكمن في عبادته وتبجيله ولكونه ليس ببوذا العادل ولا بالمسيح المتسامح ولا بالإسلام المتياسر تشكل على هيئة مسرح من أدخنة الحشيش النافذة وبالرغم من إرتفاع سقفه وضخامة جماهيره يقف منحنياً على أعمدة من دخان الحشيش و فضاء من الدخان نفسه حتى أثاثه لم يسلم من زفرات الدخان المتصاعد أما شخصياته فهي شخصيات حقيقية إختلطت مع نسيج الدخان حتى قاربت على فقدان ملامحها الحقيقية تنسل من بين تلك السحابة واقفة على مسرح ملء بالفنتازيا الجنغونونية وهي كلمة تمزج بين الغاية والجنون فأتت بهذه الصورة فريدة الوصف كمن تحمل هويتها قنبلة موقوتة  لفت بفتيل طويل من الكبريت الذي تم إشعاله منذ عهد قديم وكل ما يرجوه مشعلها منذ ذلك الوقت إلى الآن وربما غداً أن تضعها يد أمينة أو خائنة في مكان يكرهه قد يكون المكان أي شيء، أن فتشت حولك جيداً ستجده يستهزأ بكل أحلامك بإبتسامته الساخرة  منادياً إياك بسقط المتاع ، هو في الغالب شيء تود إخفائه أو مسحه شيء لا تحب أن تراه لقوة الإيمان بأن له تأثير سلبي على حياتك وفي نفس الوقت لا تود أن تتحداه وجه لوجه بسبب صعوبة تخطيه، وها أنت بعد أن إعتمدت تكتيك مشية الدودة وقسمت التحدي الكبير إلى تحديات أصغر وبدأت تشعر بخطواتك الصغيرة تقترب بسلاسة إلى النجاح يبدأ الدخان بالتشكل وتقوم المسرحية بترتيب نفسها للعرض، وبشكل تدريجي تبرز ستائر حمراء قاتمة من الزنك الأملس تنكمش على جانبي المسرح بصوتها الحاد المقشعر للأبدان  معلنة بداية المسرحية حيث يسمع صوت شارد من العدم لرضيع واء... واء...... واااااااااء! تتبعها همهمة من الضمير المتأهب خلف الرضيع سه  سه أس!.

تظهر في لجة الدخان تلك بناية شاهقة من الحديد المسلح وهي تنشر ملابس ساكنيها بقدر إمتداد مياه مجاريها الماجنة، وتحت في أسفل شسعها المربوط بالأزقة الضيقة تظهر الخرابة!، وهي صفة نطلقها بسذاجة على مساكننا القديمة التي لم نعد بحاجة لها ولو أتيح لها الحديث لتحدثت مثلنا بأنها لم تعد بحاجة لنا أيضاً فهل باعدت الحضارة بيننا إلى الحد الذي تملكني ودفعني لمحاولة إسترجاع ما طمس منها ؟ أم أنني مجرد روائي متشرد وجد ضالته في كتابة قصة وقحة تدور أحداثها في بيت قديم مهجور ملفوف بالأوساخ التليدة والقمامة الجافة والغبار ومن نافذة شقت فوق سطحه المرتفع بمترين ونصف عن الباب المقيد بأقفال مات صانعوها قبل إشعال الفتيل!، كان بإمكان النافذة إبتزاز الفرح ممن يقف أمام بابها المخيف كالغول صاحب العين الواحدة، كنت حينها لا أزال أجهل الجنغونونييا بل أنني فقدت قدرتي على التماسك ما جعلني أكره الكتابة وهي الشيء الوحيد الذي أجيد.

 بدت العين الواحدة ضعيفة وموجعة إذا ما تم إجبارها على الإنغلاق وقلت في نفسي ويح لسكان المدينة التي يعيش فيها غول عملاق بعين واحدة عمياء، ويح لهم عندما ينام، وويح لهم عندما يجوع، وويح لهم عندما يشبع وتضطرب أمعائه وكل الويح لهم عندما يغضب، عندما رأى العقاري حالتي وتأثير رأسي  بمفعول مادة الحشيش التي أسرفت في تدخينها قرص إذني لديك فرصة أن تسكن هنا أنت ورفاقك دون أن تدفع ريالاً واحداً، فقط قوموا بتنظيف البيت جيداً، يوجد لديكم كهرباء، وغرفتين في الأسفل، وحمام في الزاوية، وسطح فسيح لمشاهدة القمر والنجوم وربما تجدون خزان الماء سليماً فتحظوا بدش ساخن في الليالي الباردة.

  لست متأكداً من هذه المسألة  لكنكم لن تكونوا مجبرين لدفع رسوم الإيجار المرتفعة لأي أحد طالما كنتم تسكنون هنا ومد إلي عقد الإيجار المجاني  المفتوح المدة، إقتربت من الباب ونظرت إلى أقفاله  توهمت لبرهة بسبب مفعول الدخان أن بإستطاعة نظراتي الخارقة أن تذيب الأقفال وتفتح الباب وتزيل الأوساخ وتساءلت حينها من أي مكان تنبع هذه الأحلام والعجيب أن الذاكرة تحتفظ بها بجانب الذكريات الجميلة دون أن تفضل إحداها على الأخرى فتضعني في حيرة لبعض الوقت هل الأحلام الجميلة هي ذكريات جميلة أم أن الذكريات الجميلة هي الأحلام الجميلة وحسب ؟  إنتبهت عندما تحرك جرذ ضخم تحت قدماي ومن فتحة أسفل الباب أنسل اللعين إلى داخل المنزل كان العقاري متوتر وهو يمد خطاه لينصرف.
ناديته : أنت
أجاب  : نعم
نبهته : أين مفتاح القفلين ؟
أستخدم المطرقة لفتح الباب! وانصرف..

  بالنسبة لي كانت تجربة فريدة لكسب مهارات مختلفة ومحفز بارع للكتابة ولم أجرؤ علي قبول المغامرة إلا بعد أن تأكدت من مشاركة غمار التجربة مع متطوعين وهم أصدقائي الثلاثة كان  لكل واحد منهم دوافعه المشتركة والخاصة لقبول العرض وبالرغم أنها ستكون مكاناً ملائما للإنزواء عن العالم وتوفير المال للأمر الأهم وهو تدخين الحشيش بإفراط وصخب أعتبرت أن المغامرة التي تقبل القسمة على أكثر من واحد هي مغامرة ناجحة وحدها المغامرة الفاشلة تفطر قلبٌ واحد لإنسان واحد وكنا أربعة إذاً لا داعي للقلق من إقتسام نتائج التجربة بالتساوي.

عازب ومتزوج وأرمل صفات ثقيلة لمغترب واحد وهو أكبرنا عثمان معتد بشاربه الحانق من لسعات الشيب مع جبهة عريضة تلتحف نصف فروة الرأس بينما ترك النصف الأمامي منها بدون غطاء كمزارع شرع في نوم عميق تاركاً أقدامه المرهقة تلاطف الهواء، سبق له أن عمل كسائق في مجال نقل البضائع قرابة عشرين سنة ولم تشفع له هذه السنين لدي صاحب المؤسسة التي يعمل بها عندما تحطمت شاحنته قبل عام بحادث عابر، تم تغريمه مبلغ إصلاح الشاحنة.

 ورغم شح المال الذي كان يتقاضاه أستمر بالعمل لمدة سنة محاولاً أن يسدد المبلغ المتبقي وعندما أحتاج إلى المال لعلاج زوجته المصابة بمرض السرطان رفض صاحب العمل إعطائه المال بل أنه رفض أن يسلمه زواج السفر فما يزال عليه دين كبير لم يدفع منه سوى أقل من ربع المبلغ المحدد لإصلاح الشاحنة وعندما ماتت زوجته إنهار وقرر الفرار من مشاكله وعدم المواجهة وهكذا أنظم إلى المحششين أسياد العالم السفلي بكل ما فيه بل أنه أحب هذا العالم الذي يهتم بأسافل الأشياء بداية بأسفل المرأة والشواذ وإنتهاءً بالحياة فقاعدته الشاملة يختصرها في المثل القائل "كن نملة وكل سكر".

 شخصية أخرى لا تشبه سابقتها سوى بالإصرار على الفشل، أصر ماهر أن هناك كنوز في باطن الأرض وهو متيقن من أنه سيأتي يوم ويخرج كنزه المدفون من حفرة الحظ خاصته، أهتم بالمشعوذين وصدق الدجالين والسحرة وجالسهم تعلم منهم الخداع وتلون بألوانهم حتى بات على يقين من قدرته على تطبيق الدروس التي تعلمها بإحترافية كان يرى السيد! كما كنا نسميه أن خير مكان لبدايته تكمن في مكان مشلول مقعد لا يملك ظهر يستند عليه ولا حضن للتخفيف من وجعه فأنظم للمجموعة وربما يكون الوحيد الذي أعلن عن سبب انضمامه لنا فقد سبق أن سرني لمحات من تضعضع مفهومه للحياة حين قال أريد تطبيق ما تعلمته ولا يوجد أفضل من هذه الحشائش وهذه العشوائيات هنا بإمكان آلة الغواية أن تتصارع علانية مع آلة الإغراء وتسدد لها لكمة قوية تحت خاصرتها حتى يسقط وزرها ومن يدري ربما راق لها الأمر ورضيت بما بعد ذلك! كانت لديه خطة ساذجة راهن على نجاحها  معتبراً إياها بجانب حضوره الذهني المذهل مصدر رزقه الوحيد لتوفير مادة الحشيش الذي بدأت أسعاره ترتفع بشكل تدريجي مع وجود ندرة للنوع الجيد منه قياساً بموازينه الفريدة حيث قسمت على نحو مرضي للبائع والمشتري، تبدأ بالدّفة أو حق الرأس المجانية تباعاً إلى ميزان الأصبع ويتراوح سعره بين خمسمائة و الألف ريالاً حسب توفر المادة فما فوق ذلك بالتوالي يأتي الثمن، ثم الكف، ثم الربع، ثم البلاطة وهي مقدار كيلو من الحشيش عند هذا الحد كل ما زادت عدد بلاطاتك زادت مكانتك،  كانت خطته للعمل تقتضي   بتجهيز واحدة من الغرف لخلوته حيث يرتبها على شكل صومعة كهنوتية يقوم بتأثيثها بجلود السباع وجماجم الأغنام النافقة والعظام المصقولة وكل ما هو مثير بجانب الإضاءة الوامضة لإشباع حواس الخوف الجائعة حين تقدم على مأدبة مليئة بالخرافات وتلتهم بنهم كل ما عليها.

  كان يخفي مجموعة من السراويل النسائية والرجالية فوق رف ضاهر بجانب الباب يصعب رأيتها لمن يدخل الغرفة دون إشارة بسبب الدخان والإضاءة الخافتة بجانب التشويش الذهني الذي يصاحب من يقصد السحرة والدجالين ثم ينتظر اللحظة المناسبة وكان بارعاً في إقتناصها وعند بلوغ ذروة اللحظة المنشودة يقول للضحية بصوت قوي من خلف دخان الأبخرة وهو يقبع في ركنه ويرتدي ملابسه الأفريقية ومغطياُ رأسه بشال من الحرير أسود مذهب الأطراف،  ناوليني أو ناولني سروال الخيانة! تكون الضحية تحت تأثير الدخان ورائحة الثوم المحروق وبخور المستكة وعندما يكون الطلب غير مباشر تكون الإستجابة مرتبكة وحائرة وانفعالية وعلى سجيتها  وتحت وميض المؤثرات الخارجية المصورة تقوم الضحية التي أقدمت على الخيانة والمغلوبة على أمرها بفسخ سروالها وتقديمه له حينها يأخذه بكلتا يديه ويسعفه بشهقة ممطوطة ويأخذ في ثرثرة مبهمة تشل الضحية ثم ينفخ فيه من فمه ثم يأمر السيدة أن تتمدد على السرير في الجهة المقابلة ليقوم بإلباسها سروالها المنقي من الخطيئة وهكذا يكون سرها قد دفن للأبد ويتمكن من الحصول على خيطه الأول لنسج شباكه حول الضحية،  أما أن  كانت الضحية على قدر من التمنع والحرص والإخلاص ولم تمتثل لأمره يطلب منها بلطف أن تمد له أحد السراويل المعلقة فوق الباب وفيما كنا نتابع هذه الأحداث من شق في الجدار من الغرفة المجاورة كانت خيبة أمل كبيرة ترتسم على محيا أصدقائي حين تحين هذه اللحظة التي لا يفضلون مشاهدتها فيما كنت أسعد بهذه اللحظة بجانب دوري المتعلق بالرجال وإلباسهم السراويل كان صوت السيد حين يناديني بشمشون كمن يحرر كلب هائج لوليمة دسمة كنت أحمقاً كما أسفلت هل ذكرت هذا من قبل؟ ولكن ماهي الحماقة على كل حال؟ فيما يخص النساء وكروائي تهمه التفاصيل كنت أتساءل أي سروال ستختار ؟ هل ستختار القرمزي ذو الخيط الرفيع الذي يعض اللحم أم ذوقها سيختار الأحمر القاتم؟ أم الأبيض الحريري؟ أم أنها ستصدمني باختيار سروال رجالي؟ فيما يكون السيد قد بدأ بسرد قصص كاذبة عن خيانة زوج الضحية وأن بإستطاعته تكبيل جوارحه تجاه نساء الأرض فلا يرى سواها امرأة خصبة وزوجة وفيه وهكذا يحصل منها على مبلغ كبير المال، لديه خطة للعمل أفصح أن بمقدوره تنفيذها وكنت أدعوا في البداية أن لا تتوفر له ضحية لتجربتها فقد كنت أميل لتناول الحشيش في مكان هادئ مع أربعة أشخاص يفضلون لعبة الشطرنج التي تمتد لساعات كل ما تمنيته حينها أن أهدر الوقت.

بقي رابعنا رياض وكنت أنا وهو نتقاسم نفس الأسم كنا نتشابه في كثير من الأمور بيد أنني أخرج ما بداخلي عن طريق الكتابة أما هو فكان يمتلك لسان معسول عذب الكلمات رقيق المعاني سبق وأن حظى بالزواج من فتاة جميلة تصغره بسنتين ، بالنسبة له كانت بمثابة أميرة سلبت من قصر ملكي وبالنسبة لي عندما حظيت برؤيتها قبل أن يتزوجها وربما قبل أن يعرفها رأيتها تلبس فستان مخطط كانت المرة الأولي التي أرى فيها غزالة ترتدي جلد نمر بدت فائقة الجمال ناعمة بلمسة متوحشة وهي تتراقص على أنغام موسيقي بطيئة اللحن شبقة بالحزن وقفت أتأمل جمال مفاتنها الراقصة بإضطراب لدرجة أن كاحلي التوت ولم أشعر بالألم حينها، تمنيت إحتضانها بكل جوارحي وكنت أحسده بل أنني تمنيت من صميم قلبي أن يطلقها أن يتركها اليوم أو غداً، كنت أتضور شوقاَ لرؤيتها كما كنت في الماضي أغمس أصابعي في طبق العصيدة المحلاة بالعسل التي كانت تعدها لنا أيام الطفولة ، أخيراَ تم لي ما أردت  الآن تم طلاقها وافترقت عن رياض لقد نضجت وكبرت وأصبح في مقدورها الإختيار بكامل إرادتها دون سكب الأكاذيب وإستخدام الآمال للتأثير على قرارها كما فعلوا بها قبل خمس سنوات، كنت أمني النفس أن يوماً ما سيأتي يحمل في طياته السعادة لي ولها فوق سرير واحد وتحت سقف واحد، وكنت طوال السنين الماضية أتخبط في الإجابات هل  قادها إليه حسن الطالع أو سوء الطالع؟ كيف يصاحب سوء الطالع هذه الوجنات الزكية ، كان بإمكانها أن تكون زوجتي وأن يمنح كل واحد منا السعادة للآخر فقط لو لم يقبض على والدها بالجرم المشهود، كنا صغاراً مجرد أطفال يلهون بذكورتهم بشكل خاطئ وفي غياب النصح والمراقبة والوقوف بحزم وتتبع الأسباب بروية وبصيرة تحدث هذه الأمور، أذكر حين رآني والدها وأنا جاثم فوق صبي يصغرني بسنوات ظننت أنني في مأمن من عيون الغرباء فوق السطح وداخل صّندقة الحمام الذي كنت أربيه لكن والد زينة رآني لقد فاجئني وأنا في الجرم المشهود جرني من أذني الكبيرة وأنا أتوسل إليه أن يسترني ويتجاوز عن خطيئتي التي لا تغتفر، كان الصبي الآخر يجر وجعات الخزي والألم المنخورة في عظامه، قام والدها بسحبي وإذلالي أمام أهل الحي وبات جميع أهل الحي يعرفونني بذلك الجرم المشهود حتي أنهم منعوا أبنائهم من مرافقتي أو السير معي في طريق واحد عشت طفولتي وحيداً أهرب من المدرسة وأتسكع في الطرقات أصب قضبي على المارة والأطفال الذين يصغروني، حتى سكن رياض في حينا والتحق بمدرستي كان في مثل سني وشاركني الفصل نفسة جاء لينقذني، وتكفل والده بتثقيفي فقد كان يمارس الكتابة ويقوم بتأليف الروايات وأذكر أنه في أحد الأيام وجدني أقوم بقراءة مذكراته الخاصة تركني رياض في غرفة والده وذهب ليجلب الشاي وجاء والده على غير العادة باكراً من عمله وحين رآني أهداني كتاباً وهمس في أذني أذا أردت أن تصبح كاتباً مبدعاً دافع بقلمك عن من تحب، أستحضر كلماته اليوم وسبق له أن قضي نحبه وأتوجع وفي لوعتي سؤال تمنيت أن يجيبني عليه قبل أن يرحل كيف أدافع عن من أحب وأكره في نفس الوقت؟ أحب نفسي ومع ذلك أمقتها..! أكرهها..! أن مشاعري مختلطة بين الحب والكره    كم أحس بالذنب تجاه رياض، رباه...! جاء لينقذني فغرق معي لقد كنت أثقل من أن أطفوا وأخف من أن أغرق.

 كنت مشتتاً وبلا حلم أما هو كان بمقدوره النجاح لو ابتعدت عنه، لو منحته المساحة اللازمة ! لقد ورطته في تدخين مادة الحشيش حتى أدمن عليها أردت تدمير حياته فكافئني الحظ بتدمير أحلام أربعة، أحلام صديقي وأحلام زوجته وطفله الصغير، وأحلامي التي نزحت من أحلامهم، والآن أصبحنا أنا وهو ضحية لمغامراتنا، لو عرف ما بداخلي سيقتلني سيعاقبني بما أستحق لا يوجد صديق بهذا السوء مطلقاً، أتراه يسامحني لو عرف كم كنت أحبه قبل أن يفكر بزينة ويتزوجها؟ كان مزاجه متقلب بين الحين والحين أحيانا يبدو عدائياً وكأنه يعلم بما أخفيه وأحيناً يكون لطيفاً ومتسامحاً  أحب زوجته وبدورها أحبته وأهدته صبياً وسيماً بهي الطلعة لكن فقره كان عائقاً أمام متطلبات الجمال فقرر أن يتاجر بالحشيش لسد إحتياجاته منه وفي نفس الوقت الوفاء بمتطلبات حياته الجديدة وعندما سقط في قبضة الشرطة للمرة الثانية وحكم عليه بسنتين في الحبس، قررت زوجته أن تتركه بعد هذه الحادثة وتخلت عن أبنها طواعية تحت إرادة والديه أما هو فقد راقت له فكرة تعذيبها أراد أن يحرق قلبها على أبنها وبدون أن يشعر كان الأبن يشعل في قلبه الحنين إليها، إلى زينة تلك الفتاة الصغيرة التي طالما أتعبنا أقدامها حين كانت صغيرة بالبحث عنا من خلال لعبة الأستغماية كانت تمضي أوقات عصيبة في البحث عنا بينما نحن نختبئ ونراقب تصرفاتها كانت تبذل المستحيل من أجل إيجادنا وحين يدب اليأس في قلبها تأخذ في الإنزواء على عتبة باب بيتهم وتأخذ في موجة بكاء تجبرنا على الخروج من مكامننا حينها تقوم ضاحكة وهي تصرخ لقد خدعتكم....!  وتقوم بتسليمنا ثلاث مرات ضاربة بيدها على جدار اللعبة.

 ربما جاء دورنا للبحث عنها بنفس الطريقة لكننا لم نعد نخدع بتلك الدموع لقد أفرغت الحياة دموعنا وأبقت لنا ضاهر الحزن متشبثاً بوجوهنا الفارغة كجدران حينا القديم، أو ربما تكون في مكان ما غارقة في البكاء عل حيلتها تنطوي علينا من جديد ونعاود الظهور كمغفلين، لا أدري بمشاعرها فقد مرت بظروف مؤلمة مؤخراً سمعت أنها تمتهن التطبيب في مستشفى لكن رياض لم يخبرني أي مستشفى! هذا الذي تعمل فيه، لكنني سأعرف طالما أن رياض يسكن معي الآن ستصلني أخبارها أول بأول لكن علي أولاً إن لا أثير الشكوك حول هذا الحب الذي يعتصر أمعائي،     كره رياض جميع نساء الأرض وأعتبرهم خائنين لا يهمهم سوى إشباع رغبتهن على حساب الرجال الأغنياء ولكونه ولد فقيراً ولم يفلح بتخطي هذه المحنة سقط معنا ووافق على أن نسكن البيت المهجور صاحب العين الواحدة.
تم الأمر وإتفقنا على الإنتقال صباحاً إلى الخرابة الكائنة في وسط حي منسي تتجمع فيه المياه الآسنة معلنة إختناق الأخلاق حتى الموت.

الجزء الثاني:

شحنا أمتعتنا وذهبنا إلى مسكننا الجديد أستقرق كسر الأقفال منا أرخص ما نملك حينها وهو الوقت أخذت عيون النوافذ من العمارة المجاورة تراقبنا وتتلصص على تصرفاتنا بشيء من الريبة
وربما لو إستطاعت لأسعفتنا بضحكات لا تقل مجونناَ عن تسرب مياه مجاريهم الخانقة، أحسست بالخجل من تصرفاتي وكنت أُشاهد التردد على وجوه أصدقائي وأقول لنفسي لعلها ليست فكرة سديدة أن نلقي بأنفسنا في هذا المكان الموبوء، كنت أضرب الأقفال بحماس حتي أوشكت المطرقة على التلف ،كنت أحمقاً ولطالما تركت الحماقة تقودني للمجهول منذ فضيحتي فوق السطح مع الغلام لم أعد أكترث بما تسلبه الأيام مني، ثم ماهي الحماقة على كل حال! هي أن تتصرف بطريقة مشينة وغير سوية بعد أن أجيبه يراودني السؤال السخيف مرة أخرى وكأنه غير مقتنع بما أسررته من جواب، ما هي الحماقة على كل حال؟، أن تتجرد من إنسانيتك وتتهاوي في حب زوجة صديقك!، ما هي الحماقة في هذا الحب ؟ أن تعجز عن شرح الإهانة لذاتك! يتكرر السؤال في حلقة رأسي ككبش يجتر غذائه عند الجوع ماهي الحماقة على كل حال؟...! هذه المرة لم يستسغ عقلي الباطن مضغ السؤال فنتج عن عسر هضمه غازات أتت على شكل طاقة ديناميكية  أخرجتني عن شعوري وضربت القفل بقوة مع صرخة عفوية.... لا أعلم...! هل إرتحت الآن...!، يال الغرابة...!  كان قفل الباب قد كسر بفضل تلك الضربة مشتتة الفكر وقوية القبضة ولم أتأكد عن سبب تلك السعادة التي بدت على وجوه أصدقائي وتساءلت هل سمعوا صوت الفرقعة المدوية التي كسرت القفل أم أن كسر القفل شتت أنتباههم عن التركيز.

 راحوا يرددون أصبح ضميرك يتهاوى كما تتهاوى مخيلتك استشعرت حديثهم بضيق، على الأقل ضميري قدم لكم خدمة فتح الباب وجاء دور ضمائركم لنظافة المكان خبت ابتساماتهم فيما كانت لدي خطة تحمسهم لبذل المزيد من الجهد أكثر من الكلام عن الضمائر المحنطة.

كان المنزل أشبه بما خلفته ورائها حرب دامية خلت أنني سأعثر على جثة ربة المنزل متكورة وهي تعانق رضيعها ومن تحت أنقاض التراب وبزها جاف في فم وليدها الرطب ونصرخ في لهفتنا تلك ... أخيراً وجدنا من يستحق النجاة!،  ساعدوه أنه حي يرزق!. كان سطح المنزل ملئ بإطارات السيارات أحدهم وجد مخزناً لتملق ما درسه عن عروض التجارة وأيضاً هناك فسحة فوق السطح للراحة واعداد الشاي وتدخين سيجارة أو سيجارتين من الحشيش قبل البدء بعملية النظافة، تركنا أدواتنا  المنزلية خارج المنزل أمام الباب تتوسطهم غسالة الصحون الأتوماتكية التي وجدت لنفسها مكان ملائم للراحة الأبدية كانت مصدر فخرنا الوحيد ونحن نجيب عن تساؤلات من يهتم بهذه الآلة ويسأل عنها كنا نتسابق في الحديث عن قوتها ومدى دقتها ومناسبتها لروح العصر ما أتعس الآلة الحديثة التي تسقط في أيدي الجهلاء كنا نضعها في غرفة الجلوس كنوع من التجديد وإشارة إلى المستقبل الذي أستطاع تضليلنا لقد خدعنا بمنظرها الأنيق واشترينها على أنها غسالة ملابس ولم ندرك ذلك حتى سلمنا الثمن لصاحبها الذي إختفي في دهاليز سوق الخردة، عدنا إلى منزلنا سعداء بغبائنا على إننا حققنا مكسب كبير بشراء آلة حديثة لغسل الملابس لنكتشف بعد ذلك أنها آلة خرقاء لغسل الصحون.. غسالة صحون! كانت صرخة مدوية تهلهلت على تقاسيم التصحر الفكري على جباهنا وهل يملك العازب من الصحون! ما يكفي لإسكات نهم غسالة الصحون الأتوماتيكية.

 تركنا الأثاث في الخارج حتي ننظف المكان من الأوساخ والقمامة .
ماهر:  بيت بهذا القدم لا بد أن كنز ثمين يقبع أسفل أساساته نظرنا جميعاً لبعضنا البعض! وضحكنا ونحن نتناوب دوران لفافة الحشيش.

حملت سترة عملي السابق أبحث لها في هذه الفوضى العارمة عن مكان مناسب لأضعها بعيداً عن الأوساخ  تعلق أحدنا بالآخر فهي لا تفارقني وقد بدت كما لو كانت أول مرة أحملها كحبيبة أسير بها لسرير الزوجية لم تعد على مقاسي لقد كبرت عليها ،أصبحت صغيرة، إرتديتها  آخر مرة حين عدت من بانكوك من قلب مدينة الجنس والمغامرة  كنت حينها  أعمل في مجال الطيران.
 وبصورة مبسطة تشرفت بخدمة جميع أجناس البشر في هذا العالم وكمضيف كنت أشعر بالسعادة حين أشرح للركاب كيفية عمل سترة النجاة، رغم عدم مبالاتهم لهذا الجزء الذي أضعت عليه شهور من حياتي لأتقنه، الناس لا تهتم للنجاة إلى إذا حلت الكارثة وإلى حين تحين لا مجال للقلق قمت بتعليقها جانباً وعندما عدت إلى اصدقائي كانت ضحكاتهم المجلجلة تتصاعد بوتيرة مقززة هناك من قرضني بكلام بذيء نظرت إلى ماهر وعاتبته مازحاً أيها اللعين ماذا أخبرتهم حتى جعلتهم يضحكون بهذا الشكل الهستيري، صدقني لا شيء فقط أخبرتهم أن حدسي يخبرني رغم المدة البسيطة التي عرفتك فيها إلا انك بارع في التحدث باللغة الإنجليزية وإلا لكان من الصعب أن تعمل في مجال الطيران فهم عادة ما يختارون أصحاب الطلة البهية والوشوش المصبحة وأنت يا صديقي تمتلك ملامح قد لا تساعدهم لإختيارك، وماذا أيضاً أيها الساحر أتحفنا بتجلياتك المرفوع عنها الحجب.

 ما أقصد أن اقوله لك أنك أنسان عادي تمتلك أشياء جميلة في داخلك فلماذا تتشبث بهذه البدلة التي تشبه خيال المأتاة ، غرقوا في موجة ضحك هستيرية ثانية إستجمعت أفكاري لأرد عليه لكن ما هي الفائدة المرجوة من الرد على أسئلة البؤساء غير المزيد من البؤس، هل اخبرهم بما لم يستطيعون له صبرا ام اتركهم  كان لدي حلم وأنتزع مني وإلى أن يراودني حلم جديد سأظل متمسكاً به، سبق وقلت أنني أحمق، ولكن ما هي الحما....ق... لا لا أيها السؤال الأحمق أصبحت تتكرر بشكل هستيري أنا مرغم على إسكاتك بالقوة الآن، كان على أن أعد لهم الشاي لأكمل خطتي لا تهمني هذه التفاهات لكنني مرغم على مجاراتهم حتى لا يشعروا باستغلالي لهم وضعت في الشاي حبوب منشطة تجعلهم قادرين على إزالة جبل من مكانه فكيف بأوساخ البيت المتيبسة أنها مهمة سهلة سيكتشفون مدى تفاهتها عند الرشفة الأولي أو الثالثة من كوب الشاي الذي أعددته لهم، أصبحت الناس تتخلي عن مبادئها لمجرد المزيد من الطعام فيما كان ينبغى لها أن تتخلي عن الكسل.








الجمعة، 26 سبتمبر 2014

قصة قصيرة (لم يعد هناك ما يبهج)



كان يوماً جميلا ومشمساً ذهب أطفال العاصمة دكا كغيرهم إلى المدارس  ، وتشبث من إستطاع من الشباب بغاندي! غاندي ليست امرأة ولا رجل إنها حافلة مهترئة بقدر إهتراء الطرق لا تسمع صوت صرير محركها أو عجلاتها حتى صوت إهتزاز فرائضها المرتجفة كالمصاب بالبرد تكاد لا تسمعها، والسبب هو صياح كومة الناس الذين يمتطونها، المسكينة تندس تحت أكوام الحالمين فلا يظهر منها سوى أعينها الزجاجية الذائبة من شدة البكاء.

 عندما تطلق صوت بوقها يصمت المتشبثون  بها وتشتد احداجهم كالقنافذ خشية الوقوع أو السقوط من فوق ضهرها، والسقوط مصيبة كبيرة  في بنغلاديش لا يريدها أحد كبداية ليومه الطويل.

 في غضون ساعة من الصباح رحلت مئات الغانديات وتوارت عن الأنظار ذهبت بالمحروقين ليعاد حرقهم، إستراح كبار السن وميسوري الحال وأصحاب السيارات، الآن بعد رحيل الغانديات بإمكانهم أن يبدؤوا يومهم القصير،  تبدأ الطيور في التصفير والأشجار بالتعبير تخرج الزهور مع البنات الجميلات وتغسل المطاعم موائدها يتم تغير الأثاث والصحون وأطباق الطعام حتى تستقبل أناس جدد تحسبهم ليسوا من بنغلاديش، تتزين المطاعم وترص الكراسي على المقاهي وتقدم وجبات من الطعام الراقي، تستريح وتستمتع المدينة بكونها عاصمة وبينما الناس هانئة  عبر حمار! يركض بدون هدي وراح يدرأ شوارع المدينة روحة ورجعة وخلفه اثنان من رجال الشرطة ، أحد الثوار علق على ظهره لوحة اعلانية كتب عليها العبارة التالية ( কি আনন্দ আর নেই)، هذه العبارة كانت كفيلة أن تعيد الفوضى التي غادرت بها الغانديات والآن لا يوجد غانديات آخري لتحملها.

 اصطدم الحمار الهارب بعربة متجولة تبيع طعام الكاري وهو أكل شديد الحرارة بسبب الفلفل الذي أصاب عيني الحمار فجن جنونه دخل عنوة أحد المطاعم التي بدلت موائدها وحطمها ومنها إلى قهوة مجاورة ومنها الى بقالة ثم اخرى فإشطاط غضب الناس ، أفسد يومهم حمار مجنون بسبب الفلفل! كان من الممكن أن يتركوه لمصيره لو لم يكن يحمل اللافتة التي زادت في إفساد مزاج رجال الشرطة.

 ركض خلفه المئات من الناس بعضهم كان يضحك وهو يلاحق الحمار والبعض الآخر الذي تضرر كأصحاب الحوانيت كان شرهم يستطير في عصيهم وسكاكينهم وحبالهم لحقوا بالحمار المسكين اثخنوه ضرباً وطعناً حتى استسلم وأنزوي في زقاق خلف المطعم قام أحد الجنود برفع اللوحة من على ظهره ومزقها فيما كان الجندي الآخر مباشرة قد اطلق النار عليه ترك في الزقاق ينزف حتى الموت انتهت رحلة الحمار وعاد الكل من حيث أتي سوي صاحب المطعم الذي بدي عليه التأثر والغضب غطي الحمار بقطعة قماش لحين عودة الغانديات أراد تعويض الخسائر الفادحة التي تكبدها هذا الصباح.

قصني هذه القصة صياد سمك طاعن في السن التقيته في بنغلاديش ختم كلامه بقوله هكذا يسرق اللصوص تاريخ الرموز من الرجال الذين وهبوا حياتهم من أجل الشعوب وعندما نستسلم لليأس نتحول في نظرهم إلى حمير تحمل اسفاراً.

سألته عن معني العبارة الثورية التي كانت على ظهر الحمار قهقه في وجهي لدرجة تمنيت فيها أنني طبيب أسنان لأتمكن من خلع ضرس العقل الظاهر في تجويف فمه الكبير ورداً على سؤالي أجاب (لم يعد هناك ما يبهج)!.





سلطان خويطر،،،