الخميس، 26 يونيو 2014

نساء - قصة قصيرة

نساء
كهدية لعيد ميلاد كاذب جئت، لم يتسنى لمن قبض ثمني ولمن اشتراني أن يمنحوني الوقت لأعرف من أكون كل ما عرفته حينها أنني بحجم فيل وبوزن وردة!، حُشِرتُ ساعتها في مؤخرة سيارة نقل بمجهود شابين وسمعت أحدهم يحدث الآخر أن الفرحة ستغمر وردة بإمتلاكي، من هي وردة؟ هذا هو السؤال الذي لم يصمت في داخلي حتى عرفتها عن قرب بل أقرب مما كانت أحلم يوماً.
حملتني بيديها الناعمتين كهدية لعيد ميلادها العشرين ثم احتضنتني وطبعت قبلة على خدي، سرت حرارتها في حشوة الريش التي تملأ جسدي، وأحسست حينها أنني خفيف الوزن، إذاً لست بفيل أنا شيء آخر!
كان من أهداني لها يبتسم بحماقة أما وردة فكانت تحتضنني كلما شعرت بالخجل من تصرفاته حتي إنها كادت أن تقطع أنفاسي وهي تطوقني بمعصميها.
بالقرب من الشاب الذي يقلها في السيارة إرتَبكتْ وردة عندما وضع يده على رجلها غمرتني بدفء حضنها وعطرها وملمسها الناعم حين غاص وجهها خجلاً في صدري، دفعت بكامل جسدها عنه لليمين لتهرب من قبضة يده، شعرتُ برجفتها تهزني، ارتجفت أنا أيضاً في المقابل وصرخت أوقفوا الزلزال!  حينها أدركت أن من لا يستطيع الكلام لا يملك أن يغير واقع الأشياء فما هو إلا شيء مثلها.
كيف ستدخلني غرفتها؟ كان السؤال المريب الذي رافقنا طيلة المسافة إلى بيتها! تحدثوا عني طوال الوقت عن وسامتي، قلبي الأحمر! والرسالة المزخرفة التي أحملها(I LOVE YOU)، عيناي العسلية، نعومة ملمسي، حجمي الكبير، وبياض الثلج على جلدي! عرفت من حديثهما عني أنني أتيت من بلاد بعيدة، موطني انتدبني لأكون تمثالاً للحب هنا في هذه البلد، إذاً أنا لست لا شيء!  أنا شيء مهم وإلا لما سمحوا لي أن أركب الطائرات والسفن حتى أستقر بي الحال في يد شابة جميلة كهدية لعيد ميلادها العشرين، لو لم أكن مهماً لما إستمتعت بسماع خططهم الجهنمية لتهريبي إلى غرفتها من دون أن يراني أهلها، وخاصة أخوها الكبير كما قالت أنه سيقتلني ويقتلها معاً أحببت فكرة الموت معها، أخيراً قررت وردة أن تستعين بأختها الصغيرة ريم، ستعمل ريم من داخل البيت كجاسوسة بحيث تكشف لها عن خُلو الممر إلى باب البيت من الجيران وصالة الجلوس والمطبخ والحمام وصولاً إلى غرفتها من أفراد عائلتها، حيث سينتهي بي المطاف، قالت وعندما تضعني في الغرفة يسهل عليها إخفائي وتغطيتي بالعباءة السوداء فلا يلاحظني زائر غير مرحب به جاء بدافع التلصص عليها وعلى أختها، تروق لك الأفكار الساذجة عندما تكون لا شيء وفي حالتي لم يكن لي قدرة على الكلام أو التأثير بشكل مباشر لكنني شيء مهم حتى لو تمكنتا هاتين المراهقتين من إخفائي.
أُدخلت خلسة إلى البيت حيث وضعتني وردة في ركن الغرفة مواجهاً سريرها، رحت أتأمل المنظر الرائع لصورة أوزه معلقة على الجدار ومن خلفها تجر صيصانها وتسبح في نهر توقف جريان ماؤه، الجدران طليت باللون الزهري الفاتح ولمبة حبيسة الضوء ترقد فوق الباب ومرآة بجانبها أكوام من مساحيق التجميل والشعر المستعار بألوان ومقاسات لا حصر لها ملابس على الموضة وفساتين مصنوعة من الريش ومن الحرير، تمنيت لو وضعتني وردة أمام المرآة لأعرف من أنا وما هي ملامحي وكيف أبدوا في عيوني لا كما يريدوني الآخرين، أخذت وردة تزيل مساحيق التبرج عن وجهها ومن خلفها أختها تستعجلها لتخبرها عن صاحب الهدية هيا إخبريني هل هو وسيم وطويل؟ هل يحبك؟ أهو غني ؟ هل يشبه أحد الممثلين المشهورين وأخيراً هل صدق أنه عيد ميلادك العشرين!!
إستدارت وردة ومن مكاني في ركن الغرفة رأيت سيدة أخرى لا تشبه وردة! تغص عينياها بالدموع التي إختلطت بالكحل وبدت غارقة في الحزن أنه يصغرني بعشرين سنة! هل تعرفين ما تعنيه عشرين سنة؟ لو قدر للأسي أن يري تجاعيد وجهها حين ذاك لأنسلت من عينيه دمعة مشابهة لدمعتها الحارقة، قلت لك منذ البداية أن المواقع الإجتماعية! هي فقط لتبادل الآراء والمعرفة وليست لتبادل الحب والمشاعر! رأيتها تخلع شعرها الأشقر من فوق رأسها وتناوله لأختها التي وضعته بجانب المرآة وراحت تساعدها بحل ربطة إخفاء ترهلات الكرش من حول خاصرتها، وبشيء من المواساة قرصتها أختها ريم أصبري سيأتي نصيبك يا وردتي الجميلة وستتزوجين ممن يقدرك ويناسبك، من حينها خامرني الشك حول هويتي من الصدمة وظلت عيناي مسمرة على المرآة أنتظر الفرصة لأراني وأعرف من أكون.
انتهت،،،
سلطان خويطر- روائي سعودي – المدينة المنورة